إشارة: الطلاب والمهتمون بالمعارف الدینیة یعرفون الدکتور محمد إبراهیم ساعدي رودي من خلال آثاره؛ ولد سنة 1392هـ في مدینة خاف بخراسان الرضویة ودرس العلوم الإسلامیة ونال درجة الدکتوراة في التفسیر والعلوم القرآنیة من جامعة أم درمان بسودان. کاتب ومترجم وشاعر وطبع له أکثر من سبعین أثرا في الترجمة وشعر الأطفال. فبمناسبة طبع أثره الجدید "العلاقة بین الجهاد والقتال" قد أجرینا معه الحوار التالي:• کما نعلم قد طبع کتابک بعنوان "العلاقة بین الجهاد والقتال" ومع التهنئة وجزیل الشکر لک أطرح السؤال الأول وهو ما تعریفک عن الجهاد في سبیل الله؟

بسم الله الرحمن الرحیم بدایة نشکر مسؤولي موقع الإصلاح الإعلامي ونخصک بالشکر الأخ الأعز من أجل إجراء هذه المقابلة. الجهاد من مادة جَهَد بمعنی المشقة والصعوبة والجُهد ولهذا یعتبر کل جُهد في سبیل الله جهادا في سبیل الله؛ أقسام الجهاد في سبیل الله لا تعد ولا تحصی وهي بحجم الشُعب وفروع الإسلام ونذکر بعضها:

- الجهاد المالي کالجهاد البدني: "وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِکُمْ وَأَنْفُسِکُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ..." [التوبة: ۴۱].

- الجهاد القولي کما قال رسول الله صلی الله علیه وسلم: "جَاهِدُوا الْمُشْرِکِینَ بِأَمْوَالِکُمْ وَأَنْفُسِکُمْ وَأَلْسِنَتِکُمْ".

- البر للوالدین من الجهاد: في عهد رسول الله کان هناک شاب یحب أن یشارک في الجهاد في سبیل الله ویظن أن الجهاد هو القتال مع الأعداء؛ فذهب إلی رسول الله واستأذنه کي یشارک في الجهاد. فسأله علیه الصلاة والسلام عن والدیه فأجاب بأنهما علی قید الحیاة فأمره صلی الله علیه وسلم أن یخدمهما واعتبر هذا جهادا له.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِیِّ فَاسْتَأْذَنَهُ فِی الْجِهَادِ؛ فَقَالَ: أَحَیٌّ وَالِدَاکَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِیهِمَا فَجَاهِدْ.

فبناء علی هذا الحدیث أن البِرّ للوالدین جهاد من جهة التمثیل ولا الحصر وإلا فکل برّ سواء للوالدین أو للزوجة أو للأبنا أو للأخوات أو للإخوان أو للأقرباء والأصدقاء والجیران والمجتمع والبشریة والحیوان والبیئة وکل الکون یعتبر جهادا. - الجهاد بالقرآن حین یستند بحججه: "وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا کَبِیرًا" [الفرقان: ۵۲].

ووفقا لهذه الآیة فإن جهاد المسلمین الکبیر في کل الأزمنة ینبغي أن یکون بالقرآن وحججه وجاء في الحدیث الصحیح بأن التصریح بکلمة الحق والعدل أمام سلطان جائر هو أفضل الجهاد: "أَفْضَلَ الْجِهَادِ کَلِمَةُ عَدلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ" - جهاد النفس والمقاومة أمام رغباتها من أفضل الجهاد: "أَفضَل الجِهَاد أن تُجَاهِدَ نَفسَکَ وَهَوَاکَ فِی ذَاتِ الله –عزّوجلّ"

- الحج المبرور من أفضل الجهاد وأجملها بالنسبة للمرأة: عن أم المؤمنین عائشة رضي الله عنها: قلت یا رسول الله نری الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: لا لکن أفضل الجهاد الحج المبرور. فتبین لنا أن للجهاد أقساما متعددة والقتال جزء منه ولیس کله ولا یکون أفضل أقسام الجهاد ولا أکبرها والله أعلم. ومن الجدیر بالذکر أن الجهاد قد استخدم في القرآن سلبیا وإني وجدت هذه الحقیقة بعد نشر الکتاب: "وَإِنْ جَاهَدَاکَ لِتُشْرِکَ بِی مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا" [العنکبوت: ۸].

• من وجهة نظرک کباحث في مجال التفسیر والعلوم القرآنیة ما العلاقة بین الجهاد والقتال في الإسلام؟

إن العلاقة بین الجهاد والقتال علاقة العموم والخصوص بمعنی أن کل حرب في سبیل الله یعتبر جهادا في سبیل الله ولیس کل جهاد حربا في سبیل الله؛ فالجهاد عام والقتال خاص. فالقتال بالسیف قسم من أقسام الجهاد العدیدة؛ فکل قتال جهاد ولیس کل جهاد قتالا. القتال جزء صغیر من الجهاد وهناک آلاف من أقسام الجهاد بل حجمه کحجم شُعب الإسلام وفروعه والقتال واحد منها.

• في مقدمة الکتاب أشرت إلی أن مفهومي الجهاد والقتال قد طرأ علیهما الانحراف في عقلیة المسلمین إلی حد کبیر فهل یمکن أن توضح أکثر ماذا تعني بالانحراف؟

الیوم حین نتطرق إلی الجهاد کثیرا ما نعني به القتال المعنی الذي هو شائع بین الناس؛ القتال الذي ینبني علی القتل والحرب؛ ففي العصر الراهن نری مزیدا من الإجحاف علی الجهاد من قِبل المسلمین خاصة المؤمنین المتحمسین ذوي العواطف حیث قاموا بتقیید معناه في جزء من معانیه الکثیرة وهو القتال والحرب؛ لکن القتال الممسوخ الذي نری کل یوم مَشاهد منه علی شاشات التلفاز والإنترنت؛ مشاهد جثث الأبریاء من الرجال والنساء والأطفال المسلمین في باکستان وأفغانستان والعراق ویستغله الأعداء لکي یوهموا بأن الجهاد والقتال یعني القنبلة والتفجیر والانتحار والانحیاز والثأر والعنف والحقد والقتل والتهریب وإراقة الدماء والجریمة والنار والدخان والغبار والمشقة والألم والعذاب و...

والیوم حین یتهمون أحدا بعدم القیام بالجهاد فیقصدون به نفس الحرب والقتال الذي یعنون به ونری نموذجا ممسوخا منه في زوایانا؛ فهل هذا هو جهاد المسلمین المقدس؟ وهل تفجیر قنبلة في مسجد ما خاصة حین یصلی المؤمنون فیه یعتبر جهاد وقتالا؟ والذي یضع حزاما ناسفا علی ظهره ویفجره في منطقة تجاریة مزدحمة لکي یقتل المزید من الرجال والنساء والأطفال الأبریاء هل هو مجاهد ومقاتل؟ وهل الجهاد بمعنی المزید من القتل؟ والمزید من النزف والدمار؟

• هل قصة هذا الانحراف الکبیر وتاریخ فهم محتوی الجهاد یختص بزمن المعاصر أم أن سوء فهم الإسلام من قبل المسلمین ذو سابقة؟

إن هذا الأمر له سابقة بین المسلمین؛ فالخوارج وأمثالهم کمجموعة ظاهریة کان لهم تعابیر مماثلة علی مدی التاریخ ولکنهم ما زالوا علی حافة المجتمع الإسلامي وإذا استولوا علی السلطة في منطقة ما لم تستمر سلطتهم طویلة ولم یکن ولا یکون لهذه المجموعات دورا في بناء الحضارة الإسلامیة بل لم یبق منهم إلا الدمار والخراب.

ولهذا حذر رسول الله علیه الصلاة والسلام من الغلو والتطرف قائلا: "هلک المتنطعون" ونظرا لأهمیة هذه العبارة کررها الحبیب ثلاثا. المتنطعون هم الذین یشددون في أفعالهم کالعبادة والمحادثة ویشددون في مواضع لا حاجة إلی التشدد فیها.

• من وجهة نظرک أی سبب أو أسباب أدت إلی هذا الفهم السيء لمفهومي الجهاد والقتال بین المسلمین؟

هناک أسباب کالتظاهر والتمسک بالقشرة والابتعاد عن اللب والأصل والإخلاص العالي إلی جانب معرفة قلیلة والتعجیل لتحقیق النتائج والتطرف والمبالغة والفتاوی القاسیة ولا ننسی أن للأعداء أیضا دورا هاما في هذا المجال لأنهم أنفسهم أو عملائهم یدعمون هذا التطرف والفهم السيء ویصدون عن طریق الفهم الصحیح والوسطي لکي یشوهوا وجه الإسلام ویظهروه بمظهر دین عنیف.

• لقد أشرت في هذا الکتاب إلی "الجهاد الأکبر" برأیک أي قسم من أقسام الجهاد هو الجهاد الأکبر؟

في هذا الکتاب کتبت عن "الجهاد الکبیر" الذي هو عبارة عن الجهاد بالقرآن بنص القرآن وعبارة عن أفضل الجهاد وهو کلمة حق تقال عند سلطان جائر وفقا للحدیث الشریف وأیضا عبارة عن جهاد النفس؛ ولهذا الصراع مع النفس والمقاومة أمام رغباتها من أقسام أفضل الجهاد.

• وفیما یتعلق بتحلیل الوضع الراهن للعالم الإسلامي والتطورات العالمية المتلاحقة التی کثیرا ما تکون علی حساب المسلمین وتؤدي إلی الحروب المدمرة وإلی الانقسام، أي قسم من أقسام الجهاد یجب أن تکون ذات الأولویة لتیار "الصحوة الإسلامیة" وعامة المسلمین حتی تتلائم مع معاییر حقوق الإنسان ومع الدیموقراطیة؟

إن أعلی الجهاد في العصر الراهن جهاد الفهم الصحیح عن الإسلام وجهاد الاعتدال وجهاد التساهل وجهاد فهم مقاصد الشریعة وجهاد التعايش السلمي وجهاد الرحمة؛ لأن أکبر مشکلة یواجهها العالم الإسلامي هو الجهل والفهم السيء للإسلام والتطرف والتشدد والتطرق إلی الظواهر والقشور وعدم التعایش مع الآخرین واللجوء إلی العنف.

• من المنظور الإسلامی في أي ظروف یجوز للمسلمین أن یلجؤوا إلی الکفاح المسلح؟ وهل وجدَت هذه الظروف موضوعیته في العالم الراهن حتی تسمح لهؤلاء القتال والکفاح المسلح ضد أعدائهم؟

بدایة أقول أن الجهاد عملیة طوعیة ونشطة بمعنی أنه لایزال قائما ولایزال مرغوبا فیه ومفیدا. إن القتال عبارة عن رد الفعل أو التفاعل؛ فالجهاد أمر أساسي والقتال دفاعي؛ فمثلا بدایة ترید أن تجاهد وتعمل عملا إسلامیا لکن هناک من یمنعک وقد یضطرک إلی القتال.

بمعنی آخر حین تجاهد في أمر ما کالإنفاق في سبیل الله أو البر للوالدین أو مجاهدة النفس أو دعوة الناس إلی الإسلام أو أي عمل إسلامي فحینئذ تمارس نوعا من الجهاد؛ فإذا وُوجهت بقوة هجومیة أو رادعة فلا بد أن تدفعها وتزیلها عن الطریق حتی لاتزعجک مرة أخری فهذه العملیة نفس الحرب أو القتال. هناک قوة رادعة تعرقل نشاطک: أو تهاجم المجتمع الإسلامي کي تبیده أو تمارس الضغط أو القمع والتعذیب والموت وتفتن المسلمین المستعضفین الذین یؤمنون بالله حتی تردهم عن معتقداتهم أو تحول دون إیصال صوت الإسلام إلی آذان العالم وتعرقل حریة التعبیر؛ فمن أجل دفع هذا الهجوم وفتح الطریق لإیصال صوت الإسلام إلی کافة الشعوب یصیر القتال والحرب أمرا لا مفر منه. فبالتالي الجهاد أمر إبتدائي والقتال ردة فعل أمام عراقیل غیر المتوقعة؛ فالجهاد قیمة طوعیة ونشطة والقتال واجب إلزامي. فتکون النتیجة أن القتال الدفاعي و رد الفعل علی ثلاثة أقسام

: 1- القتال مع القوة المهاجمة بمثل ما هاجم کما جاء في سورة الحج: "أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ (*) الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیارِهِمْ بِغَیرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ یَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ... " [حج: 39 و 40].

وهل هذا الإذن للقتال أمر ابتدائي أو هو رد فعل؟

قال تبارک تعالی في سورة التوبة: "وَقَاتِلُوا الْمُشْرِکِینَ کَافَّةً کَمَا یُقَاتِلُونَکُمْ کَافَّةً" [توبه: 36]. إذا قدرنا "کافة" حالا للفاعل في کلا الفعلین فتکون معناه: قاتلوا جمیعا المشرکین کما یقاتلونکم جمیعا. وإذا قدرناها حالا للمفعول في کلا الفعلین فتکون معناه: قاتلوا جمیع المشرکین کما یقاتلون جمیعکم. فانظر إلی رد الفعل: کما یقاتلونکم جمیعا فقاتلوهم جمیعا.

2- القتال مع القوة الرادعة من أجل دفع المظلمة عن المستضعفین کما یقول تبارک وتعالی في سورة النساء: "وَمَا لَکُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْیةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْکَ وَلِیّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْکَ نَصِیرًا" [نساء: 74] کما رأینا أن هذا القتال دفاعي ورد فعل أمام القوة الرادعة من أجل دفع المظلمة عن المستضعفین.

3- القتال الدفاعي مع القوة الرادعة لحمایة حریة التعبیر وإیصال صوت الإسلام إلی آذان العالم. فمن واجب المسلم أن یجاهد في سبیل الدعوة وأن یقوم بإیصال رسالة الإسلام إلی العالم وإذا کانت هناک قوة تحول دون حریة التعبیر وإیصال صوت الإسلام إلی الآخرین ویهاب الناس من سطوته؛ فحینئذ یأتي دور القتال ومشروعیة النضال لإزالة هذه القوة وتحریر الشعوب حتی یختاروا معتقداتهم لا لحثهم علی اعتناق عقیدة ما کما یروجه بعض المعاندین.

قال تبارک وتعالی: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیکُونَ الدِّینُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِینَ" [بقره: 139] یری کثیر من المفسرین أن الغرض من هذه الآیة: قاتلوهم حتی لاتکون أي شرک ویکون الدین لله ویؤمنوا به الجمیع. إذا سلمنا هذا التعبیر فلابد أن نلجأ إلی الإکراه وهذا یناقض آیة "لا إکراه في الدین"؛ لأنه لیس الغرض من القتال في هذه الآیة أن یکف الناس عن الشرک ویؤمنوا بربهم لأنه یقول فیما یلي: "فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ" بمعنی إذا کفوا عن الفتنة وعن ردع الناس عن الاختیار والعمل بأي دین شاؤوا فلا عدوان علهیم؛ لا عن الشرک لأن هذا لا معنی له ولا یوجد شیء من هذا القبیل في الآیة والغرض من الدین في "ویکون الدین لله" الخضوع والخشوع.

قال الشیخ مصطفی المراغي في تفسیر هذه الآیة: أي یکون دین کل شخص خالصا لله ولا یوجد فیه شیء من الخوف من غیر الله؛ ولا یفتن إذا ترکه ولا یعذب ولا یکون له حاجة إلی المداهنة والحب والتکتم والتسامح في اختیار الدین.

قال رشید رضا في تفسیر المنار: حتی یستقر الإیمان آمنا في قلب المؤمن ولا یکون له خوف من الأعداء ففي هذه الحالة یکون دینه خالصا لله دون أي قلق أو ضیق. لأن الدین لا یکون خالصا لله إلا إذا أمن من الفتن وتعالی سلطته لکي لا یجرأ أحد لیتعدی علیه.

بمعنی أن تثبت حریة التعبیر حتی یکون دین أي إنسان خالصا لله دون أي شیء من الخوف من غیر الله ولا یضطر إلی الرقابة الذاتیة. وفي آیة أخری قد رفض الله الإکراه في الدین قائلا: "لا إکراه في الدین" ثم إن إدارة الجهاد علی الحکومات ولا یُسمح للأشخاص وحدهم الولوج في هذا الأمر؛ فعلی الحکومة أن تعلن الجهاد وتحشد الناس وإلا فتعم حالة من الفوضی التي نشاهدها في کثیر من البلدان.

• کما تعلم أن هناک کثیرا من الجماعات المتطرفة التي یعنون بالجهاد عین القتال حتی في الممارسات و الأدب التنظیمي یُعرفون بـ "المجموعات الجهادیة" فهؤلاء علی أي شیء من الکتاب والسنة یعتمدون ویساوون بین الجهاد والقتال؟

إن هؤلاء یعتمدون علی بعض من النصوص التي تبدو قاسیة وعنیفة ولها میزة التکتیک والمناورة بینما إذا تأملنا في هذه النصوص وجدناها واضحة جدا؛ فمن هذه النصوص:

1- "فَإِذَا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِکَ وَلَوْ یَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَکِنْ لِیَبْلُوَ بَعْضَکُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَلَنْ یُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ" [محمد: ۴].

الغرض من "فإذا لقیتم الذین کفروا" المواجهة أثناء الحرب لا کل مرة تلقی الکفار کما زعمه بعض المتسرعین. لأن یوم اللقاء هو یوم الحرب کما قال الشاعر الهذلي: لا یُسْلِمُونَ قَرِیحاً حَلَّ وَسْطهُمُ * یَومَ اللِّقاءِ ولا یَشْوُونَ من قَرَحُوا ثم إن الآیة تصرح بأن الغرض من هذه المواجهة الحرب حین یقول: "...حتی تضع الحرب أوزارها" فحین لقیتم الذین کفروا في الحرب فاضربوا أعناقهم حتی یبیدوا ویذوقوا مرارة الهزیمة وتکسر شوکتهم فیفشلوا ثم اعتقلوهم کأسری.

فلیس الغرض قتلهم کما زعمه البعض بل هزیمتهم لیبقوا علی قید الحیاة ولا یُقتلوا؛ نعم لیبقوا علی قید الحیاة وإلا لقال: اقتلوهم حتی آخر نسمة! وإذا اعتقلتموهم لم یأمر: اقضوا علیهم! بل خیرهم أمام الخیارین: "فإما منا بعد وإما فداء" أي إن شئتم أطلقوا سراحهم فربما یحولوا إلی الإسلام بعد هذا الموقف الشهم وإن شئتم خذوا منهم فدیة حتی یبقوا علی قید الحیاة فربما یتیسر لهم أن یدخلوا في الإسلام. 2- "یا أَیهَا النَّبِی جَاهِدِ الْکُفَّارَ وَالْمُنَافِقِینَ وَاغْلُظْ عَلَیهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ" [التوبة: ۷۳] و[التحریم: ۹].

فهذه الآیة لا یوجد فیها معنی القتال أصلا لأنها یأمر النبي أن یجاهد الکافرین والمنافقین ویشق علیهم وقد ثبت لنا أن النبي لم یقاتل المنافقین وما کان له السماح للحرب علیهم؛ فالغرض منها الجهاد الدعوي ومواجهتهم بالقرآن. وقد ذکرت في الکتاب مزیدا من النماذج.

• کما نری إن مفهومي الجهاد والقتال أو القراءة المتشددة لمفاهیم کالإرهاب المقتبس من الآیة الکریمة: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّـهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"[انفال: 60] یتداخل بعضه في بعض في بعده النظري وتعینه في الواقع في صورة المجموعات المسلحة؛ فهل هناک أي تهدید یواجه الإسلام کمصدر حیوي وحضاري وتطوري؟

إن هذه الاتجاهات لها آثار سوء ومدمرة بالنسبة للإسلام والدعوة الإسلامیة حیث لایمکن تعویضها؛ هناک سؤال: ما هو أکبر میزة دعوة محمد صلی الله علیه وسلم؟ القتال؟ او الصلاة؟ أو الزکاة؟ أو الصوم؟ فهل قال تبارک وتعالی: وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا لِلقِتَال؟ وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا لِلزَّکاة؟ وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا لِلصَّلاة؟ لا بل قال: "وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِینَ" [الأنبیاء: ۱۰۷]. نعم إنه کان رحمة ورحمة للعالمین! والله إن هذه المجموعات یعرضون محمدا کنوع من العذاب للعالمین. الله هو الرحمن والرحیم ونبینا رحمة للعالمین والإسلام دین الرحمة والقرآن رحمة وشفاء؛ ثم إن هذه التصورات تصیب المشروع الإسلامي بأضرار فادحة.

• ما هي مهمة المتجددین وعلماء الإسلام تجاه هذا الفوضی والعبث الذي نواجهه نتیجة الفهم السيء والقراءات العنیفة والمثیرة للحرب من نصوص القرآن والسنة؟

دعني أسألک: ما هي المشکلة الکبری في العالم الإسلامي؟ هل هناک مشکلة عدم الإخلاص وعدم الإیمان وعدم التمسک وعدم الفهم الصحیح عن الإسلام ووجود الجهل؟ کل هذه المشاکل موجودة ولکن أعظمها هي مشکلة الجهل وعدم الفهم الصحیح عن الإسلام. مما لا شک فیه إن کثیرا من هؤلاء المتطرفین من المخلصین ولکنهم لیس لدیهم فهم صحیح عن الإسلام؛ فمنفعة الإخلاص فردية ولکن خسارة عدم الفهم الصحیح عن الإسلام یرجع إلی جمیع المسلمین وتعرض صورة مشوهة وبشعة عن الإسلام ولهذا مهمة علماء الإسلام تبرز في الفهم الصحیح عن الإسلام والمصطلحات الإسلامیة وعلیهم أن یصونوا الإسلام من انتحال المبطلین وتحریف الغالین.

فقد روی ابودرداء عن النبي صلی الله علیه وسلم: "یَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ کُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، یَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِیفَ الْغَالِینَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِینَ، وَتَأْوِیلَ الْجَاهِلِینَ" فعلی العلماء أن یقوموا بالتنویر وعرض الإسلام علی الناس بعیدا عن التطرف والعنف وإراقة الدماء؛ إسلاما مليئا بالرحمة ولکنه یدافع عن کیانه أمام المعتدین دون أن یلجأ إلی التطرف والعنف أبدا وتاریخ الإسلام أفضل شاهد لنا في هذا المجال. والله أعلم بالصواب ربنا لا تؤاخذنا إن نسینا أو أخطأنا...

• الدکتور ساعدي نشکرکم جزیل الشکر علی إتاحة الفرصة لنا وللقراء الأعزاء واستودعک الله. أشکرک أیضا.

وأنا أشکرک أیضا.